رسالة من شهيد
صفحة 1 من اصل 1
رسالة من شهيد
بسم الله الرحمن الرحيم
رسالة من شهيد
كان زميلاً لي في الدائرة ، و كان مشاركاً لي ( ومجموعة من الزملاء ) في سيارة الذهاب والاياب من سكننا الى الدائرة ، قضى معظم خدمته الوظيفة التي تزيد على ربع قرن في مناطق بعيدة ( شبه نائية ) وذلك لمتطلبات العمل والحياة ، ولم يمضي عليه سوى بضع سنوات حين عاد ليستقر في بغداد التي عاش شبابه فيها وعشقها عشقه لمدينته الصغيرة ( في احدى المحافظات ) التي قضى طفولته فيها ، و حيث انه لم يكن الا رجلا مهنيا فما طالته زوابع التدافع التي احدثها زلزال بغداد الخطير ، وبقي في نفس عمله وموقعه باذلاً كل جهده لتسيير حركة العمل واصلاح الاجواء التي كان حريصاً على تنقيتها و حذراً من ان تغيرها رياح العبث وعدم المسؤولية .
فكان يشيع البهجة والمرح ونحن في طريق ذهابنا وايابنا بتعليقاته الطريفة وحديثه الثقافي المتنوع ( بين الذكريات والشعر والرياضة والكتب) و الحديث عن الدائرة والعمل ، و كلما انسحب الحديث الى السياسة و ما نعيش كان حريصاً ان يكون الحديث بناءً وبعيداً عن التشنج والاتهامات المتقابلة ، وكان دائم التألم على ماحل بالبلد ، و كيف انسحب الناس شاءوا ام ابوا الى الاستقطاب المتقابل ، وحين كانت تدور مثل هذه المواضيع ( ونحن في طريق الذهاب اوالاياب – علما باننا في السيارة موظفين من المكونين ) كان يعرض الكثير من الحلول لمعالجة الحساسية التي فرضت على مجتمعنا ، وكان من اجمل اقتراحاته ان تزوج الفتيات من كل مكون الى رجال وفتيان المكون الاخر ، وكان حريصا ان لا يسمي أي من المكونين باسمه وان اضطر قال المكون الف والمكون باء ، دون ان يحدد أي منهما بهذا الرمز او ذاك .
ومن التقاليد التي كان حريصاً عليها هي ان نتوجه بجماعتنا لكل من تكون لديه مناسبة اجتماعية او ماشابه ، وان نأكل سوياً ، لزيادة الالفة والمحبة بيننا ، فكان هناك يوم في الاسبوع نفطر فيه سوية . ومما اذكر انه حين كان دوري في تنظيم الافطار وضاقت غرفتي بالزملاء استأذنت من زميل مجاور لغرفتي ان نشغل غرفته ايضاً ، حينها همس زميلي ( الشهيد ) في اذني : ان تدارك الامر واحسن توزيع الضيوف فقد جلس افراد كل مكون في غرفة ، عندها بادرت بلباقة الى استدعاء بعضهم الى هنا او هناك بحجة ضيق المكان وغير ذلك ، ( حينها علمت انه كان حريصاً ان لا نعطي صورة لاحد باننا منقسمين ، رغم علمي وعلمه ان جلوسنا ذلك جاء عفوا ولم يكن مقصوداً من أحد . ) .
وصادف في احد الايام ان وجدنا الطريق مغلق ولم نستطع من وصول الدائرة ، كما هو حال بغداد المعروف في ظل ديمقراطية الدبابات الامريكية ، فوجدها فرصة مناسبة ان ننجز مقترحا تبادلناه سابقا بان نتناول فطورنا جميعا في الكاظمية مرة وفي الاعظمية اخرى ، ونزور الائمة فيهما ، تأكيدا لاعتزازنا بالجانبين وحبنا وولائنا لجميع رموز المسلمين ، وهكذا كان ذلك اليوم من نصيب الاقرب طريقا علينا من المدينتين الحبيبتين ، وكان عزمنا ان تكون الفرصة القادمة للمدينة الاخرى ، فتناولنا ( الكبة العراقية الشهية ) في احد المطاعم ثم توجهنا لزيارة المرقد المعروف و جلسنا في جانب من المكان الشريف نصلى ونقرأ القران ونتجاذب اطراف الكلام ، ثم عدنا بعد ساعة لنجد الطريق الى الدائرة سالكة .
وفي يوم ونحن نتحدث عما استطاعه المحتل بمكره في خداع و تضييع الشعب بمكونيه ، ذكرتُ لهُ قصتاً سمعتها من رجل متقاعد : يقول ان راعيا في قريتهم كان له ( نعجتان ) يخرج بهما الى المرعى وربط بينهما بحبل كي لا يفترقا ، وفي يوم وبينما هو في المرعى اخذته سنة من النعاس ، و انتبه واذا بذئب يسوق النعجتين امامه ، والنعجتان تنقادان له بانصياع ، و بائت محاولاته لانقاذهما بالفشل ، وبعد ان ابتعد الذئب بالنعجتان حتى لم يعد يراهما اسند ظهره الى صخرة وانتظر حتى مالت الشمس الى مغربها وقفل راجعا كعادته الى قريته مهموما حزيناً ، ولكن مفاجئته كانت كبيرة حين لمح من بعيد النعجتان تقفان الى جانب جثة الذئب الميت ، ركض مسرعا نحو المشهد لينظر كيف حدث ذلك ، وحين اقترب شاهد الذئب وقد شنقه الحبل الذي يربط النعجتين الى بعضهما ، فعلم ان حركة متقابلة من النعجتين بالتفافهما مفزوعتين حول الذئب سببت التفاف الحبل الذي بينهما حول رقبته وبفعل الشد المتقابل مات خنقا وشنقا بينهما .
ثم قلت له ان ذلك الرجل المتقاعد (الذي روى لي هذه القصة ) قال : ان مافعله الاحتلال مع مكوني الشعب العراقي هو نفس مافعله الذئب مع الضحيتين ، وسينتهي حال الاحتلال بنفس المصير الذي انتهى اليه حال ذلك الذئب ، حين يتحرك المكونان ويتذكر كل منهما ان بينهما حبل رابط يكفي لان يجعل من مصير كل محتل و دخيل عبرة وعظة لكل معتبر .
وحين سمع هذه القصة تحرك في مقعده ونظر الي بحماس وهو يقول ان هذه القصة يجب ان تنشر وتشاع ويسمعها الناس ، واجبته بابتسامة وثناء ، وانا أدعوا الله ان ينقذ شعبنا وبلدنا من مكر الاشرار .
وفي صباح يوم بهيج وحين كان زميلي متوجها الى دائرتنا قتلته يد الاجرام المأجورة على بعد امتار من دائرة عمله هو وعدد من زملائه ، لم اكن بينهم بقضاء الله و بسبب اغلاق الشارع الذي يمرون منه الى محل سكني .
اتذكره دائماً و اقول في نفسي ترى أي طرفة كان يقص على زملائه الشهداء وهم في طريقهم الى الدائرة في ذلك اليوم ، و أي تهمت قتل لاجلها غير التهمة التي يتهم بها كل عراقي ( في كونه ينتمي الى احد المكونين ) ، ولكن اعود فاقول لنفسي يبدوا انه مدان بخيانة وتهمت اعظم ، تهمت تفسد عمل كل ماكر ، تهمته الحقيقية انه ينتمي الى المكونين وحريص ومحب لكل شعبه بمكونيه .
وفي الختام ارجوا ان اكون قد انفذت رغبته بان تنشر قصة الراعي والاحتلال ومافيها من اشارات في نفس الشهيد اراد ان يوصل بها رسالةً موجزة ومعبرة الى ابناء بلده ، تغمده الله بواسع رحمته و قاتل الله من قتله هو وزملائه الشهداء الابرياء .
فكان يشيع البهجة والمرح ونحن في طريق ذهابنا وايابنا بتعليقاته الطريفة وحديثه الثقافي المتنوع ( بين الذكريات والشعر والرياضة والكتب) و الحديث عن الدائرة والعمل ، و كلما انسحب الحديث الى السياسة و ما نعيش كان حريصاً ان يكون الحديث بناءً وبعيداً عن التشنج والاتهامات المتقابلة ، وكان دائم التألم على ماحل بالبلد ، و كيف انسحب الناس شاءوا ام ابوا الى الاستقطاب المتقابل ، وحين كانت تدور مثل هذه المواضيع ( ونحن في طريق الذهاب اوالاياب – علما باننا في السيارة موظفين من المكونين ) كان يعرض الكثير من الحلول لمعالجة الحساسية التي فرضت على مجتمعنا ، وكان من اجمل اقتراحاته ان تزوج الفتيات من كل مكون الى رجال وفتيان المكون الاخر ، وكان حريصا ان لا يسمي أي من المكونين باسمه وان اضطر قال المكون الف والمكون باء ، دون ان يحدد أي منهما بهذا الرمز او ذاك .
ومن التقاليد التي كان حريصاً عليها هي ان نتوجه بجماعتنا لكل من تكون لديه مناسبة اجتماعية او ماشابه ، وان نأكل سوياً ، لزيادة الالفة والمحبة بيننا ، فكان هناك يوم في الاسبوع نفطر فيه سوية . ومما اذكر انه حين كان دوري في تنظيم الافطار وضاقت غرفتي بالزملاء استأذنت من زميل مجاور لغرفتي ان نشغل غرفته ايضاً ، حينها همس زميلي ( الشهيد ) في اذني : ان تدارك الامر واحسن توزيع الضيوف فقد جلس افراد كل مكون في غرفة ، عندها بادرت بلباقة الى استدعاء بعضهم الى هنا او هناك بحجة ضيق المكان وغير ذلك ، ( حينها علمت انه كان حريصاً ان لا نعطي صورة لاحد باننا منقسمين ، رغم علمي وعلمه ان جلوسنا ذلك جاء عفوا ولم يكن مقصوداً من أحد . ) .
وصادف في احد الايام ان وجدنا الطريق مغلق ولم نستطع من وصول الدائرة ، كما هو حال بغداد المعروف في ظل ديمقراطية الدبابات الامريكية ، فوجدها فرصة مناسبة ان ننجز مقترحا تبادلناه سابقا بان نتناول فطورنا جميعا في الكاظمية مرة وفي الاعظمية اخرى ، ونزور الائمة فيهما ، تأكيدا لاعتزازنا بالجانبين وحبنا وولائنا لجميع رموز المسلمين ، وهكذا كان ذلك اليوم من نصيب الاقرب طريقا علينا من المدينتين الحبيبتين ، وكان عزمنا ان تكون الفرصة القادمة للمدينة الاخرى ، فتناولنا ( الكبة العراقية الشهية ) في احد المطاعم ثم توجهنا لزيارة المرقد المعروف و جلسنا في جانب من المكان الشريف نصلى ونقرأ القران ونتجاذب اطراف الكلام ، ثم عدنا بعد ساعة لنجد الطريق الى الدائرة سالكة .
وفي يوم ونحن نتحدث عما استطاعه المحتل بمكره في خداع و تضييع الشعب بمكونيه ، ذكرتُ لهُ قصتاً سمعتها من رجل متقاعد : يقول ان راعيا في قريتهم كان له ( نعجتان ) يخرج بهما الى المرعى وربط بينهما بحبل كي لا يفترقا ، وفي يوم وبينما هو في المرعى اخذته سنة من النعاس ، و انتبه واذا بذئب يسوق النعجتين امامه ، والنعجتان تنقادان له بانصياع ، و بائت محاولاته لانقاذهما بالفشل ، وبعد ان ابتعد الذئب بالنعجتان حتى لم يعد يراهما اسند ظهره الى صخرة وانتظر حتى مالت الشمس الى مغربها وقفل راجعا كعادته الى قريته مهموما حزيناً ، ولكن مفاجئته كانت كبيرة حين لمح من بعيد النعجتان تقفان الى جانب جثة الذئب الميت ، ركض مسرعا نحو المشهد لينظر كيف حدث ذلك ، وحين اقترب شاهد الذئب وقد شنقه الحبل الذي يربط النعجتين الى بعضهما ، فعلم ان حركة متقابلة من النعجتين بالتفافهما مفزوعتين حول الذئب سببت التفاف الحبل الذي بينهما حول رقبته وبفعل الشد المتقابل مات خنقا وشنقا بينهما .
ثم قلت له ان ذلك الرجل المتقاعد (الذي روى لي هذه القصة ) قال : ان مافعله الاحتلال مع مكوني الشعب العراقي هو نفس مافعله الذئب مع الضحيتين ، وسينتهي حال الاحتلال بنفس المصير الذي انتهى اليه حال ذلك الذئب ، حين يتحرك المكونان ويتذكر كل منهما ان بينهما حبل رابط يكفي لان يجعل من مصير كل محتل و دخيل عبرة وعظة لكل معتبر .
وحين سمع هذه القصة تحرك في مقعده ونظر الي بحماس وهو يقول ان هذه القصة يجب ان تنشر وتشاع ويسمعها الناس ، واجبته بابتسامة وثناء ، وانا أدعوا الله ان ينقذ شعبنا وبلدنا من مكر الاشرار .
وفي صباح يوم بهيج وحين كان زميلي متوجها الى دائرتنا قتلته يد الاجرام المأجورة على بعد امتار من دائرة عمله هو وعدد من زملائه ، لم اكن بينهم بقضاء الله و بسبب اغلاق الشارع الذي يمرون منه الى محل سكني .
اتذكره دائماً و اقول في نفسي ترى أي طرفة كان يقص على زملائه الشهداء وهم في طريقهم الى الدائرة في ذلك اليوم ، و أي تهمت قتل لاجلها غير التهمة التي يتهم بها كل عراقي ( في كونه ينتمي الى احد المكونين ) ، ولكن اعود فاقول لنفسي يبدوا انه مدان بخيانة وتهمت اعظم ، تهمت تفسد عمل كل ماكر ، تهمته الحقيقية انه ينتمي الى المكونين وحريص ومحب لكل شعبه بمكونيه .
وفي الختام ارجوا ان اكون قد انفذت رغبته بان تنشر قصة الراعي والاحتلال ومافيها من اشارات في نفس الشهيد اراد ان يوصل بها رسالةً موجزة ومعبرة الى ابناء بلده ، تغمده الله بواسع رحمته و قاتل الله من قتله هو وزملائه الشهداء الابرياء .
ــــــــــــــــــــــــــــ
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى