منتدى الوالد
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

رسالة من شهيد

اذهب الى الأسفل

رسالة من شهيد Empty رسالة من شهيد

مُساهمة  الوالد 2007-12-10, 12:58 pm

بسم الله الرحمن الرحيم

رسالة من شهيد


كان زميلاً لي في الدائرة ، و كان مشاركاً لي ( ومجموعة من الزملاء ) في سيارة الذهاب والاياب من سكننا الى الدائرة ، قضى معظم خدمته الوظيفة التي تزيد على ربع قرن في مناطق بعيدة ( شبه نائية ) وذلك لمتطلبات العمل والحياة ، ولم يمضي عليه سوى بضع سنوات حين عاد ليستقر في بغداد التي عاش شبابه فيها وعشقها عشقه لمدينته الصغيرة ( في احدى المحافظات ) التي قضى طفولته فيها ، و حيث انه لم يكن الا رجلا مهنيا فما طالته زوابع التدافع التي احدثها زلزال بغداد الخطير ، وبقي في نفس عمله وموقعه باذلاً كل جهده لتسيير حركة العمل واصلاح الاجواء التي كان حريصاً على تنقيتها و حذراً من ان تغيرها رياح العبث وعدم المسؤولية .

فكان يشيع البهجة والمرح ونحن في طريق ذهابنا وايابنا بتعليقاته الطريفة وحديثه الثقافي المتنوع ( بين الذكريات والشعر والرياضة والكتب) و الحديث عن الدائرة والعمل ، و كلما انسحب الحديث الى السياسة و ما نعيش كان حريصاً ان يكون الحديث بناءً وبعيداً عن التشنج والاتهامات المتقابلة ، وكان دائم التألم على ماحل بالبلد ، و كيف انسحب الناس شاءوا ام ابوا الى الاستقطاب المتقابل ، وحين كانت تدور مثل هذه المواضيع ( ونحن في طريق الذهاب اوالاياب – علما باننا في السيارة موظفين من المكونين ) كان يعرض الكثير من الحلول لمعالجة الحساسية التي فرضت على مجتمعنا ، وكان من اجمل اقتراحاته ان تزوج الفتيات من كل مكون الى رجال وفتيان المكون الاخر ، وكان حريصا ان لا يسمي أي من المكونين باسمه وان اضطر قال المكون الف والمكون باء ، دون ان يحدد أي منهما بهذا الرمز او ذاك .

ومن التقاليد التي كان حريصاً عليها هي ان نتوجه بجماعتنا لكل من تكون لديه مناسبة اجتماعية او ماشابه ، وان نأكل سوياً ، لزيادة الالفة والمحبة بيننا ، فكان هناك يوم في الاسبوع نفطر فيه سوية . ومما اذكر انه حين كان دوري في تنظيم الافطار وضاقت غرفتي بالزملاء استأذنت من زميل مجاور لغرفتي ان نشغل غرفته ايضاً ، حينها همس زميلي ( الشهيد ) في اذني : ان تدارك الامر واحسن توزيع الضيوف فقد جلس افراد كل مكون في غرفة ، عندها بادرت بلباقة الى استدعاء بعضهم الى هنا او هناك بحجة ضيق المكان وغير ذلك ، ( حينها علمت انه كان حريصاً ان لا نعطي صورة لاحد باننا منقسمين ، رغم علمي وعلمه ان جلوسنا ذلك جاء عفوا ولم يكن مقصوداً من أحد . ) .

وصادف في احد الايام ان وجدنا الطريق مغلق ولم نستطع من وصول الدائرة ، كما هو حال بغداد المعروف في ظل ديمقراطية الدبابات الامريكية ، فوجدها فرصة مناسبة ان ننجز مقترحا تبادلناه سابقا بان نتناول فطورنا جميعا في الكاظمية مرة وفي الاعظمية اخرى ، ونزور الائمة فيهما ، تأكيدا لاعتزازنا بالجانبين وحبنا وولائنا لجميع رموز المسلمين ، وهكذا كان ذلك اليوم من نصيب الاقرب طريقا علينا من المدينتين الحبيبتين ، وكان عزمنا ان تكون الفرصة القادمة للمدينة الاخرى ، فتناولنا ( الكبة العراقية الشهية ) في احد المطاعم ثم توجهنا لزيارة المرقد المعروف و جلسنا في جانب من المكان الشريف نصلى ونقرأ القران ونتجاذب اطراف الكلام ، ثم عدنا بعد ساعة لنجد الطريق الى الدائرة سالكة .

وفي يوم ونحن نتحدث عما استطاعه المحتل بمكره في خداع و تضييع الشعب بمكونيه ، ذكرتُ لهُ قصتاً سمعتها من رجل متقاعد : يقول ان راعيا في قريتهم كان له ( نعجتان ) يخرج بهما الى المرعى وربط بينهما بحبل كي لا يفترقا ، وفي يوم وبينما هو في المرعى اخذته سنة من النعاس ، و انتبه واذا بذئب يسوق النعجتين امامه ، والنعجتان تنقادان له بانصياع ، و بائت محاولاته لانقاذهما بالفشل ، وبعد ان ابتعد الذئب بالنعجتان حتى لم يعد يراهما اسند ظهره الى صخرة وانتظر حتى مالت الشمس الى مغربها وقفل راجعا كعادته الى قريته مهموما حزيناً ، ولكن مفاجئته كانت كبيرة حين لمح من بعيد النعجتان تقفان الى جانب جثة الذئب الميت ، ركض مسرعا نحو المشهد لينظر كيف حدث ذلك ، وحين اقترب شاهد الذئب وقد شنقه الحبل الذي يربط النعجتين الى بعضهما ، فعلم ان حركة متقابلة من النعجتين بالتفافهما مفزوعتين حول الذئب سببت التفاف الحبل الذي بينهما حول رقبته وبفعل الشد المتقابل مات خنقا وشنقا بينهما .
ثم قلت له ان ذلك الرجل المتقاعد (الذي روى لي هذه القصة ) قال : ان مافعله الاحتلال مع مكوني الشعب العراقي هو نفس مافعله الذئب مع الضحيتين ، وسينتهي حال الاحتلال بنفس المصير الذي انتهى اليه حال ذلك الذئب ، حين يتحرك المكونان ويتذكر كل منهما ان بينهما حبل رابط يكفي لان يجعل من مصير كل محتل و دخيل عبرة وعظة لكل معتبر .

وحين سمع هذه القصة تحرك في مقعده ونظر الي بحماس وهو يقول ان هذه القصة يجب ان تنشر وتشاع ويسمعها الناس ، واجبته بابتسامة وثناء ، وانا أدعوا الله ان ينقذ شعبنا وبلدنا من مكر الاشرار .

وفي صباح يوم بهيج وحين كان زميلي متوجها الى دائرتنا قتلته يد الاجرام المأجورة على بعد امتار من دائرة عمله هو وعدد من زملائه ، لم اكن بينهم بقضاء الله و بسبب اغلاق الشارع الذي يمرون منه الى محل سكني .
اتذكره دائماً و اقول في نفسي ترى أي طرفة كان يقص على زملائه الشهداء وهم في طريقهم الى الدائرة في ذلك اليوم ، و أي تهمت قتل لاجلها غير التهمة التي يتهم بها كل عراقي ( في كونه ينتمي الى احد المكونين ) ، ولكن اعود فاقول لنفسي يبدوا انه مدان بخيانة وتهمت اعظم ، تهمت تفسد عمل كل ماكر ، تهمته الحقيقية انه ينتمي الى المكونين وحريص ومحب لكل شعبه بمكونيه .

وفي الختام ارجوا ان اكون قد انفذت رغبته بان تنشر قصة الراعي والاحتلال ومافيها من اشارات في نفس الشهيد اراد ان يوصل بها رسالةً موجزة ومعبرة الى ابناء بلده ، تغمده الله بواسع رحمته و قاتل الله من قتله هو وزملائه الشهداء الابرياء .



ــــــــــــــــــــــــــــ
الوالد
الوالد
Admin

المساهمات : 23
تاريخ التسجيل : 08/12/2007

https://alwaled.rigala.net

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الرجوع الى أعلى الصفحة

- مواضيع مماثلة

 
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى